عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله: ((إنَّما أنا لَكُمْ مِثْلُ الوالِدِ، فإذا ذَهَبَ أحدُكُم إلى الغائِطِ فلا يستقبلَ القِبْلَةَ، ولا يَسْتَدْبرْها لغائطٍ ولا لِبَوْلٍ، ولْيستنْج بِثلاثةِ أحجارٍ، ونهى عَنِ الرَّوْثِ والرِّمَّةِ، وأنْ يستنجِيَ الرَّجُلَ بيمينِهِ.)) رواه أبو داود والنسائي وغيرهما.
الفائدة الأولى : قال الخطابي رحمه الله معالم السنن (1/ 14)
(إنمّا أنا لكم بمنزلة الوالد كلام بسط وتأنيس للمخاطبين لئلا يحتشموه ولا يستحيوا عن مسألته فيما يعرض لهم من أمر دينهم كما لا يستحي الولد عن مسألة الوالد فيما عنّ وعرض له من أمر.)
قال المُظْهِري الحنفي (المتوفى: 727 هـ)في المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 376)(قوله: “إنَّما أنا لكم مثلُ الوالد”، يعني: أنا لكم مثلُ الأبِ في الشفقة والرحمة، وتعليمِكم الخير، وما فيه صلاحُ دينكم ودنياكم.
ويحتمل أنه إنما قال هذا؛ ليحصلَ بينهم وبينه انبساطٌ، ويرتفعَ عنهم الحياءُ الذي يمنعُهم عن سؤال المسائل الدينية.)
وقال ابن المَلَك الحنفي (المتوفى: 854 هـ)في شرح المصابيح (1/ 254)
” إنما أنا لكم مثل الوالد”:(أي: في الشفقة والرحمة وتعليم الخير وصلاح دينكم ودنياكم، وهذا كلام بسط وتأنيس للمخاطبين؛ لئلا يحتشموا ويستحيوا عن مسألته فيما يعرض لهم من أمر دينهم.)
قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 187)
(وقدم هذه الجملة قبل الخطاب لتقبل قلوبهم ما يلقيه وتصغي أسماعهم إلى ما يمليه وبسطاً للعذر عن التصريح)
وفي ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (1/ 599)
(وهذا تمهيد لما يُبَيّن لهم من آداب الخلاء إذ الإنسان كثيرا ما يستحي من ذكرها، ولا سيما في مجلس العظماء، قاله السندي رحمه الله، جـ 1/ ص 38.)
الفائدة الثانية : قال الخطابي في معالم السنن (1/ 14) ( وفي هذا بيان وجوب طاعة الآباء وأن الواجب عليهم تأديب أولادهم وتعليمهم ما يحتاجون إليه من أمر الدين.)
وأنظر شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (3/ 773)
الفائدة الثالثة : قال شيخنا الأثيوبي في ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (1/ 599)
(والمعنى: أنه مثل الوالد لولده في الشفقة والحُنُوّ، لا في الرتبة والعُلُوّ، لأنه لا يماثل النبي – صلى الله عليه وسلم – فيهما أحد قاله في المنهل، جـ 1/ ص 45.)
قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 361)
(بِمَنْزِلَة الْوَالِد) فِي تَعْلِيم مَا لَا بُد مِنْهُ فَكَمَا أَنه يعلم وَلَده الْأَدَب فَأَنا (أعلمكُم) مَا لكم وَعَلَيْكُم وَأَبُو الافادة أقوى من أبي الْولادَة قَالَ بَعضهم الْولادَة نَوْعَانِ الْولادَة الْمَعْرُوفَة وَهُوَ النّسَب وولادة الْقلب وَالروح واخراجهما من مشيمة النَّفس وظلمة الطَّبْع كالعالم يعلم الانسان وَللَّه در الْقَائِل:
(من علم النَّاس ذَاك خير أَب … ذَاك أَبُو الرّوح لَا أَبُو النطف)وانظر ايضا الفيض للمناوي 2/570
وقال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 187)
(في الشفقة والحنو لا في الرتبة والعلو فإنه أبو الإمارة[1] وحقه آكد من أبي الولادة وهو الذي أخرج به العباد من الظلمات إلى النور).
وأختم بشرح شيخنا عبدالمحسن العباد للحديث كما في شرحه على سنن أبي داود ((إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم)، وهذا من كمال وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم، ورفقه بأمته، وحرصه على إفادتها والنصح لها، فهو أنصح الناس للناس، وهو أكمل الناس نصحاً، وأكملهم بياناً، وأفصحهم لساناً عليه الصلاة والسلام. وهذا الكلام الذي قاله فيه التبسط معهم، وأنهم لا يتوقفون عن سؤاله عما يريدون معرفته، فكما أن الولد من السهل عليه أن يسأل أباه عما يعن له ويعرض من الأمور لقوة ولكثرة الاتصال فيما بين الوالد والولد، فكذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد). وهذا فيه بيان أن الأبناء عليهم أن يطيعوا الآباء فيما يأمرون به ويرشدون إليه في غير معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا كان في ذلك مصلحة، وأن على الآباء أن يعلموا أبناءهم؛ لأن هذا فيه إشارة إلى التعليم من الآباء للأبناء، وإشارة إلى أن الأبناء يطيعون الآباء، وهو عليه الصلاة والسلام خير من الوالدين، ويجب أن يكون في كل نفس مسلم أحب من والديه وأولاده والناس أجمعين، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) ؛ لأن النعمة التي ساقها الله تعالى للمسلمين على يديه -وهي نعمة الإسلام- أعظم وأجل نعمة، ولهذا كانت محبته يجب أن تكون في القلوب والنفوس أعظم من محبة الوالد والولد والزوجة والصديق والقريب والحميم وكل من تربطه بالإنسان رابطة؛ لأن النعمة التي
ساقها الله للمسلمين علي يدي النبي صلى الله عليه وسلم أعظم وأجل نعمة؛ لأنها نعمة الإسلام، والهداية إلى الصراط المستقيم، والخروج من الظلمات إلى النور.)
وكتبه:
أبو الحارث أسامة بن سعود العمري
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وزوجاته ولجميع المسلمين
جدة 2/ربيع الأول/ 1438هـ
[1] )كذا في ط د.محمد اسحاق ,والأظهران الصواب كما في التيسير والفيض للمناوي .
اترك تعليقاً