حكم الرمي قبل الزوال في أيام التشريق
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن كلام أكثر أهل العلم من المتقدمين والمتاخرين على عدم إجزاء الرمي قبل الزوال في أيام التشريق، وكلامهم مبسوط في كتب الخلاف العالي والنازل،ولي بحث مطول عن هذه المسألة في كتابي”قرة عيون المحتاج في مسائل الحج والحجاج”-يسر الله إتمامه وإتقانه-.
ولكن انقل نقولات في هذا المقال عن العالمين الأثريين العلامة ابن باز والعلامة ابن عثيمين -رحمهما الله- وذلك لثقة العالم الإسلامي بفتاوى هذين العالمين -لما تحويه من قوة الحجة مع علو قدرهما-، ومن ثم ختمت الكلام بكلام العلامة المفتي الأكبر سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ-رحمه الله- في الخلاف المعول عليه.
فأبدا مستعيناً بالله في الدخول في المقصود:
قال العلامة المحدث ابن باز -رحمه الله-:
(الرجم قبل الزوال ليس بصحيح في غير يوم العيد ،أما يوم العيد فلا بأس.
وأما الرجم في أيام التشريق قبل الزوال فإنه لا يجزئ؛ لأنه خلاف الشرع، والرسول ﷺ رمى بعد الزوال وقال: خذوا عني مناسككم وهكذا أصحابه رموا بعد الزوال، والعبادات توقيفية ليست بالرأي، فمن رمى قبل الزوال فرميه غير صحيح وعليه دم عما ترك من الواجب..)صوتي.
وقال شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله-:(ولم أعلم أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – رخص لأحد أن يرمي قبل زوال الشمس في مثل هذه الأيام، لهذا يكون رميهم واقعاً في غير وقته- أي قبل الوقت- والعبادة إذا فعلت قبل وقتها فإنها لا تجزئ، لاسيما وأن السؤال عليهم متيسر).
وقال ايضا -رحمه الله – بعد أن ذكر هديه صلى الله عليه وسلم في تحين وقت الرمي :
(…وهذا يدل على أنه – صلى الله عليه وسلم – يترقب الزوال بترقب شديد، ولو كان يجوز أن يرمي قبل الزوال لرمى أول النهار؛ لأن ذلك أيسر له ولأمته، أو لرخص للضعفة كما رخص لهم في رمي جمرة العقبة، فالصواب أنه لا يجوز، وإن قال من قال به من التابعين، أو من بعد التابعين، لكن المرجع الكتاب والسنة.)لقاءات الباب المفتوح 179.
مسألة/
من رمى قبل الزوال مستندا إلى شخص يثق بعلمه قبل الزوال فما حكمه؟
الجواب منقول عن شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله- مع تنبيه فضيلته على مسألة تتبع الرخص.
فقال -رحمه الله- : (الذي يرمي قبل الزوال مستنداً إلى شخص يثق بعلمه فليس عليه شيء، لأن هذا الذي كلف به (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) أما إذا كان قصده تتبع الرخص فعليه الإثم وعليه فدية تذبح في مكة وتوزع للفقراء.
والذي يبدو- والله أعلم- أن مثل هؤلاء يقصدون تتبع الرخص؛ لأن من العلماء من هو أعلم من الذي أفتاهم، يقول: لا يجوز، ولا يمكن أن تكون الأمة كلها إلا واحداً أو إثنين، تجمع على أنه لا يجوز قبل الزوال، ونتبع واحداً من ملايين الملايين. فإذا كانوا أصلاً تتبعوا الرخص فعليهم الفدية مع الإثم والتوبة إلى الله، وإن كانوا يثقون بعلمه فهو عالم وموثوق فليس عليهم شيء.)انظر : لقاءات الباب المفتوح اللقاء 179.
وأختم بكلام الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ-رحمه الله- في رده على ابن محمود – عفا الله عنه-:
(ليس كل خلاف يعول عليه، إنما يعول على خلاف له حظ من الاستدلال، وما أحسن ما قيل:
ليس كل خلاف جاء معتبراً … إلا خلاف له حظ من النظر
وهذا الخلاف الذي ذكره هذا الرجل-يعني ابن محمود- لا حظ له من النظر مطلقاً كما عرف ذلك مما تقدم -من الأدلة-ولا يعد مثل هذا الخلاف من العلم،إنما العلم هو ما يستند إلى كتاب أو سنة أو قول الصحابة.
ولله در القائل:
العلم قال الله قال رسوله … قال الصحابة ليس خلف فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة … بين النصوص وبين رأي فقيه
والحق عند النزاع أن يرد ذلك إلى الله ورسوله، كما قال تعالى {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} والحق أيضاً رد ما تشابهت دلالته من النصوص إلى المحكم منها، ومخالف ذلك موسوم بزيغ القلب، قال تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله}) .
وهذا رابط كتاب العلامة محمد ابن إبراهيم-رحمه الله- تحذير الناسك عما احدثه ابن محمود في المناسك ،وفيه الرد على أدلة المجوزين للرمي قبل الزوال.
https://drive.google.com/file/d/17Gw6gRrxYkGHVxb_CKI7IG7-KVmGzOMa/view?usp=sharing
كتبه :
أبو الحارث أسامة بن سعود العمري
في مكة -حرسها الله- عصر يوم الخميس ١٢ من شهر ذي الحجة ١٤٣٩.
اترك تعليقاً