ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذبالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
أما بعد:
فياعباد الله
أوصي نفسي،وإياكم بتقوى الله ـ تبارك وتعالى ـ في السرِّ والعلن ,والغيبِ والشهادة امتثالا لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (} [آل عمران: 102].
ايها المؤمنون:
إنَّ المَشَاكِلَ الَّتِي يَعِيشُهَا الناسُ كَثِيرَةٌ، وَان الحَدِيثَ عَنْهَا كَثِيرٌ أَيْضًا، نَسْمَعُ وَنَقْرَأُ ، الكَلَامَ عن المَشَاكِلِ المُتَنَوِّعَةِ الَّتِي يَعِيشُهَا المُجْتَمَعُ الاسلامي، نَسْمَعُ وَنَقْرَأُ مَشَاكِلَ الربا، وَمَشَاكِلَ عقوقِ الوالدين، وَمَشَاكِلَ عَلَاقَةِ الجَارِ بِالجَارِ، وَمَشَاكِلَ تَرْبِيَةِ الشَّبَابِ، وَمَشَاكِلَ الأَخْلَاقِ،ومشاكلَ الفقرِوالبطالة ,نسمع ونقرأ مَشَاكِلَ كَثِيرَةً، وَالكَلَامُ عنها كَثِيرٌ,وَلَكِنَّ مَشَاكِلَ الخَلْقِ فِي العَقِيدَةِ وَوُقُوعٍ كَثِيرٍ مِنْ الخَلْقِ فِي الشَّرَكِ يَقِلُّ الكَلَامُ عَنْهِ، مَعَ أَهَمِّيَّتِهِ، وَمَعَ العِلْمِ أَنَّهُ هُوَ الأَصْلُ قِبَلَ جَمِيعِ المَشَاكِلِ الَّتِي ذكرناها .
عباد الله
فَيَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعًا أَنْ نَعْتَقِدَ الاعتقادَ الصَّحِيح فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأَلْهَيْتُهُ وَأَسْمَائِهِ وَصْفَاتُهُ.
وَاِعْلَمُوا أَنَّ النَّوْعَ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الخُصُومَةُ وَالعَدَاوَةُ الشَّدِيدَةُ, بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمِهِ وَبِين جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَأَقْوَامِهِمْ وَبِين الدعاةِ الى التوحيد والناس ، وَلَا تَزَالُ تَقَعُ الخُصُومَةُ وَالخِلَافُ فِيهِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا: هُوَ تَوْحِيدُ العبادة الذي هو إفرادُ اللّه تَعَالَى بِالعِبَادَةِ ,وَلَقَدْ وَقْعَ الخَلَلُ عند كثيرٍ من الناس فِي تَصَوُّرِ مَعْنَى العِبَادَةِ وَتَصَوُّرٍ مُعَنًّى الشَّرَكِ.
عباد الله
هَذَا النَّوْعُ لَمْ يَزِلَّ ولَا يَزَالُ مَحَلُّ إِشْكَالٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ…”رواه مسلم.
عباد الله
فَالمُشْكِلَةُ الَّتِي يُعَانِيهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ تَصَوُّرُ مَعْنَى العِبَادَةِ، فَإِنْ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَتَصَوَّرُونَ أَنَّ العِبَادَةَ هِيَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ وَالحَجُّ فَحَسَبَ، فَإِذَا أَدَّى هَذِهِ الأَرْكَانَ كَمَا يُؤَدِّيهَا غَيْرُهُ وَلَوْ عَلَى طَرِيقَةٍ تَقْلِيدِيَّةٍ رَأَى نَفْسَهُ أَنَّهُ عَبَدَ اللهُ وَادِّي مَا عَلَيْهِ مِنْ العِبَادَةِ وَلَا يُبَالِي بَعْدَ ذَلِكَ ان يقعَ في الشرك.
فبعضُ الناس اذا اشتدت به الأمورُ استغاثَ بغير الله وتقربَ الى غير الله بالقرباتِ والنذورِ ولجأَ إلى غيرِ الله وتوكلَ على غير الله ,وطلبَ المددَ والعونَ من غير الله ,ويرى أن كلَ ذلك لا يضرُ إيمانَه!! وهذا من ابطل الباطل.
فإن هذه الأمورَ تناقضُ التوحيد ,فلاتنفعه صلاتُه ولا صيامُه مع هذه الشركيات قال تعالى { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72] وقال تعالى {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]وقال تعالى{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116} [النساء: 116].
فالشركُ يفسدُ العبادةَ كما ان الحدثَ يفسدُ الطهارة.
عباد الله
عباد الله
من أَعْظَمِ الشَّرَكِ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ مِنْ دُعَاءِ غَيْرِ اللهِ نَاسِيًا الدَّاعِي رَبَّهْ وَمَوْلَاهُ قائلا عِنْدَ الأَضْرِحَةُ والمقبورين: “يَا سَيِّدَيْ فُلَانٍ خُذْ بِيَدِي وَأَغِثْنِي”. أَوْ يُقَدِّمُ النُّذُورَ لَهُمْ لِيَحْفَظُوا صِحَّتَهُ أَوْ يَتَقَرَّبُ بِالذَّبَائِحِ إِلَى ضَرِيحِ السَّيِّدِ فُلَان وَالشَّرِيف فُلَان وَالصَّالِح علان .-وانا لِلهِ وَأَنَا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ -.
عباد الله
هذه هي العباداتُ التي كان يقدمُها المشركون لألهتهم لِلَّاتْ والعُزَّى ومَنَاة وهُبَل، تلك الآلهة ما كان المشركون يسجدونَ أو يركعونَ لها فحسب.
بل كانوا -وهو جُلُ عبادتِهم لها -إذا أرادوا أن يسافروا ذهبَ كلُ قومٍ إلى آلهتِهِم وتَمْتَمَ عنده وشَكَرَ إليه وَوَدَعَهُ وطلبَ منه أن يحفَظَه في سفره وأن يحفظَ له أهلَه ومالَه.
وكفارُ قريش كانوا يعتزون بالعزى لذلك قَالَ أَبُو سُفْيَانَ – قبل أن يُكرمَ بالإسلامِ والصحبة- يَوْمَ أُحُدٍ كان يقول “: إنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تُجِيبُوهُ؟ فَقَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ “، هذا الاعتزاز،الاعتزاز بالله ,الاعتزاز بالتوحيد ,الاعتزاز بالعقيدة الصحيحة .
ماذا يفعل المشركون عند العزى؟؟ هل سمعتم أنهم يركعون لعزى و يسجدون لها ؟؟، جنية شيطانية !!كانت في غابة أو في فناء، فالعبادات التي كانوا يتقربون بها لها الطوافَ والخضوعَ عندها والشكوى إليها واعتقادَ أنها تنفَعُهم عند الله ولكنها لا تخلق ولا ترزق، وهذا المعنى هو الذي يفعلُه كثيرٌ من عوامِ الناسِ عند كثيرٍ من الأضرحةِ اليوم؛ ولكن لا يُسَمُون ذلك عبادةً ولا يُسَمُون الأضرحةَ والمشاهدَ والقبورَ آلهةً، بل يُسَمُونها “قبورَ الصالحين” وما يفعلونه يُسَمُونَه “توسلاً ومحبةً للصالحين” أي غيروا الأسماءَ.
عباد الله
ان تغييرَ الأسماءِ لا يغيرُ الحقائقَ ,فلو أن إنسانا شَرِبَ كأسا من الخمرِ فسماها لبناً أو ماءاً بارداً، هل يتغيرُ الحكمُ؟؟
“لا يتغير”، إذاً تقديمُ هذه القربات للأضرحةِ والمشاهدِ ثم تَسْمِيَتُها “محبةَ الصالحين” “والتوسلَ بالصالحين” لا يغيرُ الحقائقَ أبداً إنما هي عباداتٌ تقدمُ لغير الله تعالى، هذه الحقيقةُ اصبحَ يَجْهَلُها كثيرٌ من الخلق والله المستعان.
عباد الله:
فمن أشركَ مع اللهِ إلهاً غيرَه في الدعوةِ، أو في الاستغاثةِ، أو في التوكلِ، أو في الذبحِ، أو في النذرِ، فقد اتخذَ مع الله إلهاً آخر، وعبدَ معَهُ غيرَه، وهو أعظمُ الذنوبِ إثماً عند الله، كما ثبت في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ ؟قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ ”
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمدُ لله على إحسانهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتنانهِ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهدُ أن نبينا محمداً عبدهُ ورسولهُ الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين:
اما بعد
فياعباد الله
ان أمَ المشاكل وأمَ المشكلات واخطرَها واظلمَ الظلمِ واقبحَ القبائحِ الشركُ بالله عزوجل
قال الله تعالى{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]
قال العلامةُ ابنُ سعدي رحمه الله (وُوجُه كَوْنِهِ عَظِيمًا، أَنَّهُ لَا أُفَظِّعُ وَأَبْشَعُ مِمَّنْ سَوَّى المَخْلُوقَ مِنْ تُرَابٍ، بِمَالِكِ الرِّقَابِ، وَسَوَّى الَّذِي لَا يَمْلِكُ مِنْ الأَمْرِ شَيْئًا، بِمَنْ لَهُ الأَمْرُ كُلُّهُ، وَسَوَّى النَّاقِصَ الفَقِيرَ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ، بِالرَّبِّ الكَامِلِ الغَنِيِّ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ، وَسَوَّى مِنْ لَمْ يُنَعِّمْ بمثقال ذَرَةً مِنْ النِّعَمِ بِالَّذِي مَا بِالخُلْقِ مِنْ نِعْمَةٍ فِي دِينِهِمْ، وَدَّنَّيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَقُلُوبِهِمْ، وَأَبْدَانِهِمْ، إِلَّا مِنْهُ، وَلَا يَصْرِفْ السُّوءَ,إِلَّا هُوَ، فَهَلَّ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا الظُّلْمِ ؟؟!
وهل شَيْءٌ أعظمَ ظلماً ممن خلقَه اللّهُ لعبادتهِ وتوحيدهِ، فذهبَ بنفسهِ الشريفة،فجعلها في أخسِ المراتب وارذلهِا ,جعلها عابدةً لمن لا يسوى شيئا ، فظَلمَ نفسَه ظلماً كبيرا.)
عباد الله
فصرفُ العبادةِ لغيرِ الله خسةٌ ودناءةٌ وقبحٌ ونجاسة قال تعالى ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28])
جزاك الله خيرا”